إن التحديات التي تواجه المنشآت وطريقة إدارتها وسرعة تغيرات الأعمال تؤدي إلى قيام العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والشركات الخاصة بالاعتماد على أفضل الوسائل والممارسات الإدارية من أجل الاستفادة منها في تطوير أعمالها وأنشطتها.
لقد سعت حكومة المملكة العربية السعودية الرشيدة إلى تطوير أداء أجهزتها الحكومية من وزارات وهيئات ومؤسسات بكافة تخصصاتها وتحويلها إلى حكومة رقمية معتمدة على أفضل الممارسات من خلال تحقيق رؤية المملكة 2030 ومن خلال التشريعات والسياسات وتأسيس مكتب البنية المؤسسية في كل جهة وإعداد خطة التحول الرقمي. لذا كان لابد من تبني مفهوم البنية المؤسسية كمُمَكِن أساسي للتحول الرقمي.
ما هي البنية المؤسسية؟
مجموعة ممارسات وضوابط تُعنى بتطبيق رؤية واستراتيجية المنشأة عبر إحداث التغييرات اللازمة للمواءمة بين أهداف وإجراءات الأعمال وبين تقنية المعلومات التي تستخدمها لتحقيق هذه الرؤية. وبشكل عام، فإن البنية المؤسسية تتكون من منظومة عمل متكاملة الأركان والأجزاء (تشمل الهيكل الإداري والتنظيمي والإجرائي والتقني) تتفاعل مع بعضها من أجل تحقيق أهداف موحدة.
تُقدّم البنية المؤسسية عدة أهداف تتمثل في تأسيس التوافق مع الأنظمة والتشريعات والمواءمة مع خطط وسياسات الجهات ذات الصلة. إذ تُعد أداة تحليلية لتوفير إمكانيات النمذجة على جميع المستويات ورسم العلاقات والتبعيات بوضوح بين جميع المجالات الرئيسية (الأعمال والتطبيقات والبيانات والبنية التحتية) حيث تُطوع تقنية المعلومات لخدمة الأعمال وبالتالي تحقيق أهداف هذه المنشأة.
وأيضًا أداة تخطيط لترجمة التفكير الاستراتيجي إلى خارطة طريق للتطوير والتكامل المستقبلي. وأداة إدارة التغيير لتوفير إطار لمزامنة وتنسيق أنشطة التنمية عبر مشاريع ومبادرات تطويرية متعددة. وتُعد البنية المؤسسية أفضل الممارسات لأن تطبيقها يساهم في التوثيق والتحليل والتخطيط و النمذجة وحوكمة التحول.
ما هي الخدمات التي تقدّمها البنية المؤسسية؟
تتمثَّل أهم الخدمات التي تقدمها البينة المؤسسية في:
- تحقيق استراتيجية العمل والرؤية ونموذج التشغيل المستهدف
- تحسين إجراءات الأعمال
- تمكين فهم النتائج الاستراتيجية مقابل كل مشروع
- تنفيذ معايير التخطيط الإداري بالتنسيق مع إدارة المشاريع
- توفير مرونة عالية للتغيير من خلال تسهيل اتخاذ القرار بشكل أسرع وتجنب الحاجة إلى دراسات طويلة (تخصيص إستراتيجيات صُنع القرار)
- تحليل الفجوة بين الوضع الحالي والمطلوب (المستقبلي)
- تعزيز أمن تقنية المعلومات
- قياس النضج والمقدرة لتطويع التقنية
- تقييم المخاطر من منظور تقني
- توفير منظور خاص لجميع منسوبي المنشأة:
الإدارة العليا: من خلال الاستفادة من الوثائق المنتجة بطريقة مفهومة وقابلة للتقييم لمساعدتهم على اتخاذ القرار
الإدارة الوسطى: من خلال توفير معرفة كيفية سير الأعمال بطريقة منظمة ومفهومة
الموظفون: من خلال تكوين مفهوم بسيط يسهل عملهم باستخدام التقنيات
الموارد البشرية: من خلال فهم الأدوار والمهارات
تقنية المعلومات: من خلال فهم الاحتياجات بالشكل الصحيح ومواءمة التقنية المتاحة لخدمة الأعمال
الشركاء: عندما تكون الإجراءات والخدمات موصوفة بشكل منظم وممنهج يستطيع الشركاء اتخاذ القرار المناسب بالموافقة عليها
العملاء (المستفيدون): من خلال فهم ماهية الخدمات المقدمة لهم و الاستفادة منها أقصى استفادة.
كيفية تأسيس مكتب البنية المؤسسية؟
مرحلة التقييم العام للمنشأة
هذه المرحلة تُعنى بإجراء تقيم أساسي للمنشأة من خلال:
أولاً: تحليل الوضع الحالي
والذي يشمل تحليل بيئة العمل، قياس مستوى النضج، التحليل الرباعي (قوة، ضعف، فرص، تهديدات)، تحديد المؤثرات الخارجية على المنشأة مثل سياسات هيئة الحومة الرقمية ومكتب إدارة البيانات الوطينة والداخلية منها مثل الهيكل التنظيمي. وقائمة متطلبات المجالات (الاستراتيجية، الأعمال، التطبيقات، البيانات، التقنية والأمن السيبراني).
ثانياً: بناء النماذج المرجعية لمجالات الأعمال، التطبيقات، البيانات، التقنية والأمن السيبراني
ثالثاً: استراتيجية مشروع البنية المؤسسية
مرحلة تأسيس مكتب البنية المؤسسية
تبدأ مرحلة تأسيس المكتب من خلال وضع حجر أساس دستور المكتب متمثلاً في ميثاق البنية المؤسسية (Statement of Architecture Work). يشمل الميثاق جزأين أساسيين:
أولاً: النموذج التشغيلي لمكتب البنية المؤسسية
يُعد النموذج التشغيلي القلب النابض لأعمال المكتب ويشمل الهيكل التنظيمي الداخلي للمكتب مع توثيق خدماته المقدمة، الأدوار والمسؤوليات المسندة لجميع أعضاء المكتب، آليات عمل اللجان الخاصة بحوكمة ومتابعة أعمال المكتب والتحول الرقمي، آلية التواصل ورفع التقارير، إجراءات المكتب الموثقة، النموذج التفاعلي بين المكتب وإدارات المنشأة، مؤشرات قياس أداء أعمال المكتب.
ثانياً: الإطار العام للبنية المؤسسية
يتم بناءه بالاعتماد على أفضل الممارسات الوطنية مثل المنهجية الوطنية للبنية المؤسسية NORA (National Overall Reference Architecture) وكذلك المنهجيات العالمية الحديثة TOGAF (The Open Group Architecture Framework). يتم من خلال هذا الإطار توثيق:
- مبادئ ورؤية ورسالة البنية المؤسسية
- إطار المحتوى الذي يوضح فكرة تمثيل البنية المؤسسية كمكعّبٍ للمعلومات بأبعاده الثلاثة. بُعد السِعة الذي يُمثل الإدارات المستهدفة، بُعد المجال الذي يُحدد المجالات المستهدفة (الأعمال، التطبيقات، البيانات، التقنية والأمن السيبراني). وبُعد العُمق الذي يُمثل مستوى النمذجة (مفاهيمي، منطقي، فيزيائي) لكل مجال من المجالات المستهدفة. مخرجات النمذجة Artifacts (Building Blocks, Diagrams, Catalogs, Matrices)
- النموذج الوصفي لعناصر ومجالات البنية المؤسسية.
مرحلة النمذجة
تلي مرحلة التأسيس مرحلة النمذجة. تُعنى هذه المرحلة:
- بتوثيق معمارية الوضع الراهن Baseline للمجالات المستهدفة (الأعمال، التطبيقات، البيانات، التقنية والأمن السيبراني) وتحليل كافة الملاحظات الخاصة بكل مجال مستهدف
- توثيق معمارية الوضع المستقبلي Target line اعتمادًا على الأهداف الاستراتيجية للمنشأة
- تحليل الفجوات من خلال دراسة نتائج تحليل ملاحظات كل مجال مستهدف وتوثيق التوصيات والتحسينات
مرحلة التوثيق
مرحلة توثيق خارطة الطريق لخطة التحول الرقمي. تُعنى هذه المرحلة بتحليل مخرجات نمذجة مجال الأعمال وترتيب أولويات التحسينات وتحويلها إلى مبادرات ومشاريع ليتم تبني طرحها واعتمادها من خلال المنشأة للوصول إلى تحول رقمي متكامل
أخيرًا، تأتي أهمية تأسيس مكتب البنية المؤسسية في المنشآت من دورها الفعال في تحسين ورفع كفاءة الخدمات وإلغاء الازدواجية والتكرار في المشاريع التقنية، وتقديم خدمات تتماشى مع متطلبات واحتياجات المستفيدين، وتسريع مبادرات التحول الرقمي، إذ تتولّى البنية المؤسسية مهام الإشراف ومتابعة مشاريع تقنية المعلومات ومتطلباته، وتقديم الدعم بكافة أشكاله لجعلها متوائمة ب مع التوجهات والسياسات الوطنية والعالمية.