تركز رؤية المملكة 2030 على التحول الرقمي كجزء أساسي من التطوير الشامل في جميع القطاعات، بما في ذلك صناعة التعدين. تُعد الحلول الابتكارية المدعومة بالذكاء الاصطناعي جزءًا مهمًا من هذا التحول، حيث تساهم في رفع الكفاءة وتحسين السلامة وتقليل التكاليف وزيادة الإنتاجية وتقليل المخاطر البيئية.
باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل تعلم الآلة والتعلم العميق وخوارزميات اتخاذ القرار وغيرها، يمكن تطوير حلول ابتكارية تحقق الاستدامة في صناعة التعدين وتعزز التنافسية العالمية للمملكة.
مع وصول إجمالي نفقات التشغيل لشركات التعدين الكبرى في جميع أنحاء العالم إلى مبالغ قياسية، فإن الاستخراج الفعّال للمواد الخام بتكاليف منخفضة مع ضمان سلامة العاملين هو أحد أهم التحديات في صناعة التعدين في الوقت الحالي. وفي حين أنه لا يمكن إنكار أن المساهمة البشرية في قطاع التعدين لا يمكن تعويضها، فإن ماكينزي تقدر أنه بحلول عام 2035، فإن عصر التعدين الذكي، الذي يمكن تحقيقه من خلال التقنيات الرقمية المختلفة وأهمها الذكاء الاصطناعي، سيوفر ما بين 290 و 390 مليار دولار سنويًا لمنتجي المواد الخام المعدنية.
أهمية الذكاء الاصطناعي في قطاع التعدين
تحسين الكفاءة التشغيلية
يعزز الذكاء الاصطناعي الكفاءة التشغيلية في صناعة التعدين من خلال تحسين عملية اتخاذ القرار ودعم الأنظمة التشغيلية بالتحليلات الذكية. يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم تحليلات فورية للبيانات، مما يتيح تحديد الفرص لتحسين العمليات وتقليل الهدر. بالإضافة إلى ذلك، يساهم الذكاء الاصطناعي في تطوير نظم تحكم وإدارة أكثر دقة وفعالية، مما يضمن استمرارية العمليات بشكل أكثر سلاسة ودون توقفات مفاجئة. بفضل هذه التقنيات، تستطيع الشركات تحقيق إنتاجية أعلى وتقليل التكاليف التشغيلية بشكل ملحوظ.
تقليل التكاليف
تزايدت التكاليف التشغيلية لشركات التعدين الكبرى بشكل كبير جداً، وأصبح تقليل هذه التكاليف في استخراج المواد الخام مطلباً رئيسياً. إن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي من خلال مايسمى التعدين الذاتي يمكن أن يقلل التكاليف التشغيلية بشكل كبير بحلول عام 2035. استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات واستخراج المواد الخام يؤدي إلى تحسين عملية اتخاذ القرارات وتسريعها، مما يساهم في تقليل تكاليف التشغيل وزيادة الإنتاجية.
تعزيز السلامة وتقليل المخاطر
قطاع التعدين محفوف بالمخاطر البيئية والصحية، حيث يعمل العمال في ظروف خطيرة مثل التعامل مع الغازات السامة أو العمل في مواقع غير مستقرة. باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن مراقبة الظروف البيئية بشكل مستمر وتحليل البيانات في الوقت الفعلي للكشف عن التغيرات التي قد تشكل تهديداً على سلامة العمال. يمكن أيضاً للروبوتات والآلات الذاتية القيادة المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تتولى المهام الخطيرة، مما يقلل من تعرض الإنسان للخطر.
تحقيق الاستدامة البيئية
من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن تحسين عمليات التعدين لجعلها أكثر صداقة للبيئة. على سبيل المثال، يمكن استخدام التحليلات البيئية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات، ورصد تأثير عمليات التعدين على البيئة بشكل أكثر دقة.
حالات استخدام الذكاء الاصطناعي في التعدين
1. استكشاف المعادن باستخدام الذكاء الاصطناعي
مع تطور عمليات التعدين وزيادة تعقيد مواقع ترسبات المعادن، وخاصة الذهب، أصبح من الصعب اكتشاف مواقع جديدة للتنقيب باستخدام الأساليب التقليدية. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم تقنيات التعلم الآلي لتحليل كميات هائلة من البيانات، مما يتيح إمكانية تحديد مواقع واعدة للتعدين بدقة أعلى، وتقديم رؤى تفصيلية حول المناطق الأكثر جدوى. هذه التحليلات تفتح آفاقًا جديدة في عمليات الاستكشاف، من خلال معالجة البيانات المستمدة من الخرائط والبيانات الجيولوجية والجيوفيزيائية لتحسين استهداف مواقع التنقيب، وبالتالي زيادة فرص اكتشاف الرواسب المعدنية في المناطق التي يصعب الوصول إليها.
في عمليات الاستكشاف، يتم استخدام تقنيات تعلم الآلة مثل الشبكات العصبية العميقة ANNs وآلات الدعم المتجهة SVMs لتحليل بيانات الحفر والخرائط الجيولوجية. يتم جمع هذه البيانات من مصادر متعددة تشمل الصور الجوية وتقنيات الاستشعار عن بُعد، مما يسمح بتحديد الرواسب المعدنية المحتملة بدقة عالية. هذه الأنظمة الذكية قادرة على اكتشاف أنماط دقيقة قد لا تكون مرئية للعين البشرية، مما يعزز كفاءة التنقيب عن المعادن ويقلل من الوقت والموارد المستهلكة في هذه العملية.
2.تعزيز السلامة وتقليل المخاطر
تعزيز السلامة وتقليل المخاطر في قطاع التعدين باستخدام الذكاء الاصطناعي أصبح من أهم العوامل المؤثرة في تحسين بيئات العمل. تعتمد الأنظمة المستندة إلى الذكاء الاصطناعي على مراقبة مستمرة للظروف البيئية، حيث تستخدم أجهزة استشعار ذكية لتحليل جودة الهواء في الوقت الفعلي، مما يساهم في تقليل تعرض العمال للغازات السامة والظروف المناخية غير الآمنة داخل المناجم.
إضافةً إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالحوادث المحتملة من خلال تحليل البيانات الضخمة المتعلقة بسلوك الآلات، الأوضاع الجيولوجية، والظروف المناخية. هذا التحليل يساعد في تحديد المخاطر المحتملة قبل وقوعها، وتنبيه فرق السلامة لاتخاذ الإجراءات الوقائية في الوقت المناسب.
إن الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تعمل على تحسين سلامة بيئات العمل وتقليل المخاطر، ما يؤدي إلى خلق بيئة أكثر أماناً وكفاءةً للعاملين في قطاع التعدين.
3.التعرف على المعادن باستخدام تقنيات الرؤية الحاسوبية
تساعد تقنيات التعرف على الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل عينات الصخور وتحديد المعادن الموجودة فيها بدقةٍ أكبر بكثير مما هو ممكن باستخدام الفحص اليدوي. هذه التقنية تُسهم في تسريع عملية تحديد نوع المعدن المكتشف وتُوفر الوقت والموارد، مما يجعل عمليات التعدين أكثر فعالية من حيث الوقت والكفاءة. يمكن استخدام هذه التقنية لتحليل البيانات الجيولوجية المعقدة وتحديد نوعية الخامات المستخرجة في وقت أقل وبمستوى عالٍ من الدقة.
4.تعزيز عملية فرز المعادن
تُستخدم الشبكات العصبية العميقة بشكل متزايد في عمليات فرز المعادن والخامات، نظراً لقدرتها العالية على استيعاب وتحليل كميات ضخمة من البيانات. تسهم هذه الشبكات في تحسين استعادة المعادن الثمينة مثل الألماس، من خلال تحليل بيانات متعلقة بالألوان وأشعة إكس.
تتيح أنظمة الفرز المعتمدة على الذكاء الاصطناعي القدرة على التمييز بين المعادن القيمة والصخور غير المرغوب فيها في الوقت الفعلي، مما يسهم في زيادة معدلات الاسترداد وتقليل تكاليف المعالجة.
5.التقليل من التأثير البيئي
يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل صور الأقمار الصناعية لمراقبة تدهور الأراضي وتقييم تأثير أنشطة التعدين على البيئة. هذه التكنولوجيا تمكن من تحسين عمليات استصلاح الأراضي والتأكد من إعادة تأهيل المناطق المتأثرة بشكل مناسب.
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتقليل استخدام الطاقة في عمليات التعدين. على سبيل المثال، تم استخدامه لتنظيم أنظمة التهوية في المناجم بشكل أكثر كفاءة، مما يقلل من استهلاك الطاقة بنسبة كبيرة. وهذا مايسهم بدوره في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية في قطاع التعدين.
6.الروبوتات:
تزداد الأتمتة باستمرار مع استخدام الروبوتات الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي يمكن أن تصل في بعض الأحيان إلى أماكن لا يمكن لعمال المناجم الوصول إليها. يمكن استخدام هذه الروبوتات لإجراء عمليات المسح (سواءً على السطح أو تحت الأرض)، وتنفيذ الحفريات، وجمع المواد، ونقلها، ومعالجتها.
من المتوقع أن تتوسع استخدامات هذه الروبوتات مع تقليل الحاجة إلى التدخل البشري في المناطق الخطرة. هذه الروبوتات يمكن أن تعمل في ظروف صعبة لا يمكن للبشر الوصول إليها أو العمل فيها، مما يُحسن من السلامة ويخفف من المخاطر.
ومن المتوقع في المستقبل القريب أن يتم تطوير الروبوتات الذكية بحيث تستطيع أن تتكيف تلقائيًا مع الظروف المتغيرة في المناجم، مثل التغيرات في صلابة الصخور أو محتوى الغاز في الهواء، مما يساهم في زيادة الكفاءة وتقليل الحوادث.
في العمليات التشغيلية، يمكن ايضاً استخدام شاحنات النقل ذاتية القيادة، حيث تُسهم هذه التقنية في خفض تكاليف التشغيل بنحو 15% وتحسين سلامة العمال من خلال تقليل حاجتهم إلى التواجد في بيئات خطرة. هذا التنوع في القدرات يساعد على تلبية متطلبات الإنتاج المختلفة، ويعزز الابتكار ويساهم في تحقيق أهداف الإنتاج بأعلى درجات الكفاءة والأمان.
7.الصيانة التنبؤية:
الصيانة التنبؤية هي استراتيجية تعتمد على تحليل البيانات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالأعطال المحتملة في المعدات قبل حدوثها. تهدف هذه العملية إلى تحسين كفاءة معدات وآليات التعدين عن طريق إجراء الصيانة في الوقت المناسب، مما يقلل من فترات التوقف غير المخطط لها ويطيل عمر المعدات. تساعد الصيانة التنبؤية في تقليل التكاليف التشغيلية، تحسين السلامة، وزيادة الإنتاجية واستمرارها من خلال الكشف المبكر عن المشاكل المحتملة قبل أن تصبح أعطالاً كبيرة.
8.تتبع الأفراد باستخدام الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي يتيح لشركات التعدين تحسين السلامة من خلال استخدام أجهزة استشعار ذكية قابلة للارتداء وكاميرات مراقبة متقدمة. يمكن لهذه الأجهزة مراقبة سلوك العمال وتحليل البيانات في الوقت الفعلي للكشف عن أي نشاط غير آمن أو سلوكيات خطرة. باستخدام هذه التحليلات، يمكن اتخاذ إجراءات فورية مثل إصدار تنبيهات أو تقديم توجيهات تصحيحية لتجنب الحوادث. بالإضافة إلى ذلك، توفر هذه البيانات تصورات مفصلة لتطوير برامج تدريبية مخصصة لتحسين أداء وسلوك العمال، مع التركيز على جوانب السلامة الشخصية في بيئات العمل الصعبة مثل المناجم. هذا النظام يساعد أيضاً في تحديد وتحليل الأنماط الخطرة وتطوير استراتيجيات لتحسين ظروف العمل بشكل عام.
الخاتمة
يتجه مستقبل صناعة التعدين نحو التحول الكامل إلى العمليات الذاتية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. ومع تزايد الطلب على المواد الخام اللازمة للتكنولوجيا الحديثة مثل السيليكون والليثيوم، يصبح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ضرورة ملحة لتحسين كفاءة عمليات الاستخراج وتقليل التكاليف. يوفر الذكاء الاصطناعي حلولاً ذكيةً تُغير طريقة العمل في المناجم، من العمليات اليدوية إلى العمليات الرقمية الذكية، مما يساهم في تحسين السلامة وتقديم نتائج أكثر دقة وسرعة.
إن التحول الرقمي في قطاع التعدين ليس مجرد توجه مستقبلي، بل ضرورة استراتيجية لتحقيق التميز والتفوق عبر مختلف مراحل العملية التعدينية. إن تقنيات الذكاء الاصطناعي تمثل أدوات قوية لتحقيق هذه الأهداف، من خلال إتاحة فرص غير مسبوقة للتنبؤ بالمخاطر وتقليل التأثيرات البيئية السلبية.
نحن نسعى في شركة ريناد المجد لتقنية المعلومات، لكي نكون من المساهمين في تحويل صناعة التعدين في المملكة إلى نموذج فريد في الابتكار والاستدامة. بفضل خبراتنا في تقنيات الذكاء الاصطناعي، نستطيع تطوير حلول وأدوات مبتكرة تسهم في تحسين الأداء، خفض التكاليف، وتعزيز الأمان، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 في بناء اقتصاد متنوع ومستدام.