إدارة التغيير المؤسسي
تسعى العديد من المؤسسات إلى إحداث تغييرات إيجابية تتعلق في التغيير المؤسسي وتساهم في تقريبها من تحقيق الأهداف الاستراتجية الخاصة بها. ومن الجدير بالذكر أن التغيير هو عملية معقدة سيصاحبها العديد من المعوقات والتحديات القادمة من داخل المؤسسات أو خارجها، وبالتالي لابد من فهمها ووضع الخطط التي تضمن التعامل الفعال معها وتفاديها وتقليل الآثار السلبية المحتملة، حيث ينبغي الانتباه لأهمية التغيير وعملياته ومدى شموليته وتأثيراته المحتملة وكيفية معالجته وإدارته بشكل فعال.
وهنا لابد من الانتباه إلى أن التغيير عملية وليس رد فعل أو حدثاً قائماً بحد ذاته، ويجب ألا ينظر إليه على أنه مخرجات أو نتائج وإنما عملية مكتملة بوجود أشخاص يركزون على اكتساب مهارات ومعتقدات ومفاهيم وسلوكيات وممارسات جديدة.
ما هو التغيير المؤسسي أو التغيير التنظيمي؟
يُعرف التغيير التنظيمي بأنه أحد الأنماط والممارسات والسلوكيات الإدارية التنظيمية التي يتم اتباعها لنقل الموظفين، الإدارات، الأقسام والمنظمات المختلفة من وضع إلى آخر بصورة تضمن إرضاء كافة أطراف المصلحة. بمعنى آخر، يمكن النظر إلى التغيير التنظيمي على أنه مجموعة الأنشطة التي تقوم بها شركة أو منشأة ما، وتعدل بموجبها المكونات الرئيسية في المنظمة كالثقافة السائدة، أو التقنية المستخدمة، أو البنية التحتية، أو الإجراءات الداخلية.
نشأة وتاريخ التغيير المؤسسي أو التغيير التنظيمي
لا يمكن أن نقول أن هناك تاريخ معين نشأ بموجبه التغيير المؤسسي، ففي الواقع يعتبر التغيير جزء أساسي من أي نشاط اقتصادي، وهو مرتبط بالتغييرات الداخلية التي يمكن أن تطرأ على العمل (كتغير في الاستراتيجية مثلاً، أو تغير أفراد فريق العمل، او الإدارة، ..)، والتغييرات الخارجية التي تحيط ببيئة العمل (كظهور تقنية جديدة، أو تغييرات في البيئة السياسية أو الاقتصادية أو غيرها).
وعموماً يمكن القول أن أي تغير مما سبق ذكره سيتوجب تغيير طريقة سير العمل بشكل ما، وإلا توقف النشاط الاقتصادي أو تراجع. ويمكن اعتبار كافة الأنشطة التي ستقوم بها المنشأة لمواكبة هذا التغيير على أنها تغيير مؤسسي.
ونلاحظ هنا حالتين:
الأولى، يكون فيها التغيير استجابة لمحرض خارجي بشكل رئيسي، وبالتالي يكون التغيير تكيفياً بالدرجة الأولى، وتكون التغييرات بسيطة إلى حد ما كونها تهدف للتعامل مع المتغير الخارجي بدون التأثير بشكل كبير على باقي أنشطة المنشأة.
الثانية، يكون التغيير فيها استجابة لقرار داخلي بشكل رئيسي، وبالتالي يكون التغيير تحولياً، وهو تغيير واسع النطاق يأتي على شكل الكثير من الأنشطة وآليات العمل والأهداف وله انعكاسات على الاستراتيجية وفرق العمل.
وبالتأكيد لا يمكن تصنيف التغييرات في العموم على أنها تكيفية أو تحولية بحتة، فمعظم التغييرات تجد لنفسها مكاناً في الوسط بين النمطين، مع تفاوت في اقترابها من نمط ما.
لماذا قد تحتاج تطبيق تغيير مؤسسي أو تغيير تنظيمي؟
هناك أسباب عديدة تجعل من التغيير المؤسسي ضرورة. وبعض أبرز الأسباب التي تواجه المدراء تضم ما يلي:
- تغيير في القيادة ضمن المنشأة أو أحد أقسامها
- تغييرات في هيكلية الفرق التنظيمية
- تطبيق تقنية جديدة
- اعتماد نموذج عمل تجاري جديد
وفي الحقيقة أسباب تطبيق التغيير المؤسسي كثيرة، وفي معظم الأحيان يكون ضرورة لبقاء المشروع على قيد الحياة والقدرة على تلبية احتياجات العملاء أو المستفيدين منه، والحفاظ على هوامش ربح مجدية.
ولعل السؤال الهام هو حول دور المدراء في إدارة التغير المؤسسي، إذ تعرف إدارة التغيير بأنها منهجية توظيف عمليات التغيير للوصول إلى نتيجة إيجابية، وهذا يشمل توظيف الموارد اللازمة، والحد من الآثار الجانبية المرافقة للتغيير.
ما هي مراحل التغيير المؤسسي أو التغيير التنظيمي؟
لعلكم بدأتم تتساءلون عما إذا كنتم بحاجة لتطبيق تغيير مؤسسي في مكان عملكم؟ وعن الخطوات اللازمة لذلك؟
يعد نموذج “ليفن” أحد أهم النماذج العالمية التي تصف مراحل التغيير التنظيمي وهو نموذج تم تطويره عبر العالم “كيرت ليفن” (Kurt Lewin) في منتصف الأربعينات من القرن العشرين، وعلى الرغم من قدم هذا النموذج إلا أنه أثبت فعاليته حتى أيامنا هذه ويعد حجر الأساس في أي عملية تغيير تنظيمي.
ويعرف ليفن 3 مراحل للتغيير وهي:
1-فك التجميد، حيث يتم في هذه المرحلة تحديد ما يجب تغييره، والتأكد من وجود دعم قوي من قبل الإدارات العليا للتغيير، كما يجب تأكيد الحاجة للتغيير، وإدارة وفهم الشكوك والمخاوف من تطبيق عملية التغيير. عادة ما تتوافق هذه المرحلة مع التخطيط ضمن منهجيات الإدارة الحالية.
2-التغيير، ويتم في هذه المرحلة تنفيذ الإجراءات التي يتم بموجبها تعديل الأنظمة والأنشطة، كما يتم التواصل بشكل دوري مع كافة أصحاب المصلحة لتوضيح التغييرات ودحض الإشاعات والحد من عملية مقاومة التغيير. النجاح في هذه المرحلة يتطلب إشراك الناس فيها.
3-إعادة التجميد، وهنا يتم دمج التغييرات ضمن ثقافة المؤسسة، والعمل على تطوير طرق جديدة للحفاظ على التغيير وجعله مستداماً، كما يتم تقديم الدعم للفرق لتكون قادرة على مواكبة التغييرات، ومن المهم الاحتفال بالنجاح.
ماذا عن التغيير المؤسسي أو التغيير التنظيمي في المنشآت الحكومية؟
قد يعتقد البعض أن التغيير المؤسسي مرتبط بتحقيق الربح والحفاظ على الحصة السوقية، وهو بالتالي محصور بالمنشآت الربحية والقطاع الخاص. في الواقع، يتم تطبيق التغيير المؤسسي حتى في المؤسسات غير الربحية سواء كانت منشآت حكومية أو منشآت أهلية كالجمعيات الخيرية والمنظمات التنموية.
خطوات التغيير المؤسسي
عند التفكير بالتغيير المؤسسي في منشأة حكومية، يجب اتباع الخطوات التالية:
- قم بتحديد هدفك من التغيير. هل تسعى إلى تطوير خدمات جديدة للمستفيدين من المنشآة؟ هل الهدف هو التقليل من الهدر أو الحد من البيروقراطية المكتبية؟ وربما يكون الهدف هو تحسين التواصل مع المستفيدين؟
- قم بدراسة العوامل البيئية المؤثرة. فالتغيير كما ذكرنا يرتبط بالبيئة الداخلية والخارجية، لذا سيكون من المفيد أن يتم تحليل هذه العوامل وكيفية تأثيرها على نشاط المؤسسة الحالي والمستقبلي.
- قم بتحديد أصحاب المصلحة. من هم المعنيون بالتغيير؟ من هم المسؤولون عنه؟ ومن سيستفيد منه؟ بنفس الوقت من سيتضرر من هذا التغيير؟ ومن قد يعارض التغيير ويسعى لإفشاله؟ يجب تحديد أصحاب المصلحة بشكل دقيق مع تحديد علاقة كل منهم وموقفه.
- قم بوضع خطوات مرحلية للتغيير. جميعنا يعلم أن التغيير لا يتم بين يوم وليلة. قد يتطلب الأمر منكم وضع خطة زمنية بمراحل مختلفة مع ما يجب إنجازه في كل مرحلة.
- قم بتحديد الموارد اللازمة. قد يتطلب التغيير منكم موارد مالية معينة، أو موارد بشرية، وربما يكون بحاجة لإدخال تقنية جديدة إلى العمل. عليكم تحديد ذلك وتحديد مصادر هذه الموارد.
- أكثر من التواصل. جميعنا يعلم بحالة الإشاعات التي تصيب مكان العمل حين يتم إجراء تغيير جديد. دوركم أن تقللوا من هذه الإشاعات قدر الإمكان كونها قد تخلق أعداءاً للتغيير، وهذا يتطلب وجود تواصل مكثف مع الجميع حول التغيير الذي يتم وما هي أهدافه.
- قيّم بشكل دوري. لا يكفي أن يكون لديكم خطة جيدة لإدارة التغيير، فقد تواجهكم ظروف غير متوقعة. من المهم أن تقيموا مراحل العمل بشكل دوري وتقيسوا النتائج في كل مرحلة.
- احتفل بالنجاح! يهمل الكثيرون الاحتفال بالنجاح في النهاية. ولكن، إذا لم تحتفلوا الآن، فكيف ستحمسون الآخرين للتغيير القادم؟
ولا شك أن المنشآت الحكومية تواجه تحديات خاصة في الخطوات السابقة، فالتعقيد الإداري يصعب عملية اتخاذ القرار، كما أن تنوع المستفيدين من خدمات المنشآت من شرائح مختلفة من المواطنين يجعل التغيير عملية ليست بالسهلة. مع ذلك، يمكن بالتخطيط الجيد واتباع الخطوات السابقة جعل عملية التغيير عملية ممتعة ومكافئة في نفس الوقت.
ما هي التحديات التي تواجه التغيير المؤسسي أو التغيير التنظيمي؟
تعتبر ممانعة التغيير التحدي الأكبر الذي يواجه التغيير المؤسسي، وتتمثل برفض المعنيين بعملية التغيير لإجراءات التغيير أو باتخاذهم خطوات معاكسة لها. وعادة ما يكون سبب رفض التغيير هو الخوف من خسارة المزايا، كأن تعتقد الإدارات العليا بأن التغيير سيخسرها سلطتها وصلاحياتها، أو اعتقاد العاملين بأن التغيير سيحد من عدد الموظفين ويخسرهم أعمالهم، أو حتى اعتقاد المستفيدين من الخدمة بأن التغيير سيجعل من الخدمات أكثر كلفة أو صعوبة للحصول عليها.
ومن التحديات الأخرى التي يمكن أن تواجه التغيير المؤسسي هو تحدي سوء التخطيط، كتخطيط أهداف كبيرة خلال مدة قصيرة، أو عدم إشراك الموارد المناسبة في التغيير، وعدم أخذ الظروف المحيطة بعين الاعتبار.
بنفس الوقت، يفشل الكثير من المدراء في إدراك الأبعاد المختلفة لعملية التغيير، فكما يقول مستشار الإدارة الخبير بيتر دروكر “الثقافة تأكل الاستراتيجية على الفطور”، في إشارة إلى تأثير ثقافة المنشأة على نجاح وفشل الاستراتيجيات في عدم إيلاء الأهمية اللازمة لها. وفي الحقيقة يعطي معظم المدراء أهمية قليلة لثقافة المنشأة، ويفترضون أن التأقلم مع عملية التغيير هو حتمي وإن استغرق وقتاً، وهم بذلك يخطؤون في إدارة عملية التغيير ويقودونها إلى الفشل بدون علمهم.
إذاً، كيف يمكن تجنب هذه التحديات؟
بالتأكيد تلعب خبرة المدير دوراً كبيراً في القدرة على تجنب التحديات التي ستواجه عملية التغيير، فالمدراء المتمرسون سيكون لديهم قدرة أعلى على تمييز العقبات التي تقف أمام عملية تغيير ناجح، وعلى تجاوز هذه العقبات.
وإضافة للخبرة، تأتي أهمية التعامل مع التغيير من منظور إداري. هذا يتطلب ألا ننظر للتغيير على أنه أمر عفوي وحدث مستقل، بل هو نشاط يجب أن يخضع للإدارة وفق منهجيتها وأدواتها المعروفة، ويمكننا هنا تطبيق دورة الإدارة على التغيير كما يلي:
1-التخطيط: حيث يجب تخطيط التغيير المطلوب، ووضع الأهداف الاستراتيجية والتنفيذية إضافة لتحليل العوامل البيئية الداخلية والخارجية وعوامل المنشأة بما فيها أصحاب القرار والمصلحة.
2-التنظيم: وهنا يتم تخصيص الموارد اللازمة لعملية التغيير من موارد بشرية ومالية وغيرها، وتحديد العلاقة بين هذه الموارد وباقي أقسام المنشأة، إضافة لتحديد أدوات الإدارة المستخدمة والصلاحيات وغيرها من نماذج تقارير.
3-المتابعة والتوجيه: وتعني هذه المرحلة متابعة عملية التغيير عبر المراقبة والتقارير وقياس النتائج ومقارنتها بالخطط، إضافة لتوجيه الفرق إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لمواكبة عملية التغيير وتجاوز أي عقبات يمكن أن تواجه العمل.
4-التقييم: وفي هذه المرحلة يتم تقييم النتائج وتحديد مدى النجاح في الوصول للأهداف إضافة لتقييم طريقة العمل وتوظيف الموارد ودراسة كل من التجارب الناجحة والفاشلة إضافة لوضع تقرير بالدروس المستفادة.
ورغم أن الخطوات السابقة تبدو سهلة بالشكل النظري، ولكن تطبيقها يتطلب خبرة عالية ومهارة متقدمة سواء في التحليل والبحث أو في اتخاذ القرار والإدارة الاستراتيجية.
لهذا السبب غالباً ما تلجأ المنشآت إلى تعيين مدراء مختصين في مجال إدارة التغيير لقيادة عملية التغيير أو التطوير أو لمساندة المدراء في باقي الأقسام.
كيف يمكنني أن أطور من مهاراتي في إدارة التغيير؟
بالتأكيد يمكنكم العمل على تطوير هذه المهارة حتى لو لم تكونوا ممارسين محترفين فيها. ويمكن للمهتمين العمل على متابعة الدراسات العليا والحصول على ماجستير في مجال إدارة التغيير، كما يمكن المشاركة في برامج تدريبية متعددة مخصصة لإدارة التغيير والحصول على شهادات احترافية في هذا المجال. ومن أهم هذه البرامج:
- شهادة احترافي مصدق في إدارة التغيير Certified Change Management Professional
- أخصائي إدارة التغيير Change Management Specialist
- مدير معتمد في إدارة المشاكل والتغيير Certified Problem and Change Manager